حوار /حنان علي كابو
بخفة متقنة يتنقل الكاتب عبدالحكيم الطويل من الهندسة النووية إلى التاريخ الليبي والآثار إلى السياحة ،وصولا لادب الخيال العلمي بتوظيف جميل غير مسبوق أثار أعجاب الكثيرين ،وتحصل على العديد من الجوائز .
نقرأ في سيرته ....
عبدالحكيم عامر الطويل
مواليد طرابلس الغرب، ليبيا، 02/09/1963.
مُتحصل على البكالوريوس في الهندسة النووية. يعمل حاليا بمؤسسة الطاقة الذرية الليبية خبير نووي أول، وعضو الفريق الوطني للطوارئ النووية بالمؤسسة.
متحصل على براءة اختراع رقم 257-92 بعنوان زيادة مقاومة الحديد الصلب للصدأ بأشعة جاما.
مهتم بالتاريخ والآثار والسياحة وأدب الخيال العلمي، حيث نشر نتاجه في المطبوعات المحلية والعربية والعالمية. كما قدم مجموعة من المحاضرات وشارك في العديد من الملتقيات الثقافية إضافة إلى أقامته لمعارض للتصوير الفوتوغرافي.
صدر له:
الطاقة النووية في بيتك، 1991، ثم نسخة منقحة في 2004، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ليبيا.
مُشكلة إيمانية، 2006، مجلس الثقافة العام، ليبيا.
خفايا جديدة مثيرة تكشفها مقبرة طرابلس البروتستانتية، (14/07/2008)، المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية (مركز الجهاد سابقاً).
حَجَرُ الرجبان، (01/01/2011)، وزارة الثقافة، ليبيا.
بنت أبيها: 2020، منشورات دار فانتازيون للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر.
المقاومون: 2020، الجمعية المصرية لأدب الخيال العلمي لمجموعة من المؤلفين.
له عدة كتب وتراجم من وإلى اللغة الإنجليزية وفي أدب الخيال العلمي والشعر والقصص القصيرة والرواية والتاريخ والآثار الليبية قيد الإنجاز أو في طريقها إلى النشر.
من الهندسة النووية إلى التاريخ الليبي والآثار إلى السياحة، وصولاً لأدب الخيال العلمي، هل كانت تلك المحطات المهمة مَن قادتك إلى الكتابة وتحديداً أدب الخيال العلمي؟
الحقيقة أن مجلات الكومكس اللبنانية التي كان يشتريها أبي لي ولإخوتي أسبوعياً أيام الابتدائية كانت الشرارة التي أطلقت شغفي بالعلوم عامة وبالخيال العلمي ثانياً، كما أن معاصرتي للحظة هبوط الإنسان على القمر في 1969 مباشر على الهواء عبر التلفاز الليبي (الذي تأسس في 1968) كان لها أثر دافع كبير آخر، إذ جعلتني أُدرك أن بعض الخيال العلمي الذي كنا نتسلى بقراءته له أساس فعلي حقيقي في دنيانا التي نعيش، حتى أن دراستي النووية كانت نتيجة لهذا الفضول الذي اعتراني، فقد كانت محاولة مني لسد الفجوة التي قامت أمامي مبكراً بين الخيال العلمي والحقيقة العلمية، وقد كان خياري نووي بالتحديد لأنني لم أجد دراسة جامعية لعلوم الفضاء في بلادنا!
أما التاريخ والآثار والسياحة فقد كان لهما مسار آخر بدأ مع البحث في شجرة عائلتنا وأصولها، البحث الذي قادني إلى الاندهاش الشديد من تنوع الآثار وكثرتها في بلادنا والأحداث الغريبة التي سادت تاريخ بلادنا وكم هي متناقضة جداً مع حاضرها! غير أنني وجدت أن التاريخ والآثار ليسا بعيديْن عن الخيال العلمي ولا حتى عن الهندسة النووية! إذ تبين لي أن أحد أهم طرق تحديد أعمار الآثار وأدقها كانت طرق إشعاعية نووية، حتى أنني حاولت أن أقدم رسالة ماجستير في دور الأشعة النووية في التاريخ والآثار، وقد قدمت بالفعل عدة أمسيات ثقافية بالخصوص، ولدي مخطوط كتاب أعده للنشر في ذات الموضوع،
في النهاية وجدت أن الآثار والتاريخ والسياحة والأشعة النووية يمكن توظيفها كلها بشكل جذاب غير مسبوق في قصصي التي أكتبها في أدب الخيال العمي، فكان مزيج أثار إعجاب الكثير من المهتمين بهذا اللون من الأدب ونلت بسببه عدة جوائز أولى في هذا الأدب.
في ليبيا هل ثمة جمهور حقيقي لأدب الخيال العلمي؟
هناك قلة "كبيرة" للأسف! ربما تتركز في جيل الشباب المعاصر، لكن بكل أسف أقولها لا يبدو لي وجود جمهور حقيقي لأدب الخيال العلمي في ليبيا.
مشكلة إيمانية، بنت أبيها، المقاومون، الفضائيون ... أهمية الإصدار في حياة الكاتب؟
إنه "الابنة الورقية" التي يحلم الكاتب لسنوات بولادتها! ويتعهد لسنوات أخرى برعايتها وتشذيبها وتجميلها، ثم يبقي ينتظر شهوراً على أعصابه المشدودة - وربما حتى لسنوات - لولادتها من الناشر! الإصدار في حياة الكاتب هو الإبنة التي لم تلدها زوجته!
من أين نبع الاهتمام بهذا النوع من الكتابة؟
الحياة وسط كل هذه الأجهزة التقنية من حولنا، إذ أن الحياة اليومية بجوارها يجعل العالِم والتقني والفيلسوف والشيخ بل وحتى الإنسان العادي يحاولون فهم وإجابة العديد من أسئلة حياتنا الوجودية والتقنية المعقدة، هذا أظنه سيجعلنا ندرك أنه ليس أدب طارئ ولا هامشي بل قد يكون هو المفسر للعديد من صعوبات وانجازات حياتنا المعاصرة والقادمة، وقد يتحول إلى القائد لتطور فكرنا ومعيشتنا إلى الأفضل والأكثر راحة بفضل الآلة والذكاء الاصطناعي، وربما سينبهنا إلى أهمية تفادي حرب عالمية مدمرة تتسبب في انقراضنا، أو يفيقنا على شبح إتلاف بيئتنا بالاستعمال السيء للتقنيات والأساليب الحديثة وعودتنا إلى الحياة البدائية.
هل يمكن القول إن كُتَّاب الأدب العلمي أو الخيال العلمي لديهم ملكة الاكتشاف واستشراف المستقبل؟
نعم صحيح، إذ من المعروف أن الفضل يعود لأدب الخيال العلمي في هبوط الإنسان على القمر وفي اختراع الكثير من مخترعات اليوم، لقد حلم بها كُتاب الخيال العلمي قبل أن يصنعها من نالت الفكرة إعجابه وفضوله ونجح في تحقيقها على الواقع، فلا نستغرب إن تحققت مخاوف وأحلام كتاب الخيال العلمي المعاصرون سواء في مهلة المستقبل القريب أو حتى البعيد.
لماذا حوصر أدب الخيال العلمي على أنه أدب الأطفال؟
أظن أن السبب الرئيس هو أفلام الرسوم المتحركة التي رأينها ونراها منذ عقود، فهذه عملت على تحديد صورة نمطية للخيال العلمي على أنه موجه للأطفال، مع أن الكثير من الأفلام بل وسلاسل الأفلام الهوليودية التي تحصد أعلى الإيرادات وأرقى الجوائز العالمية هي أفلام وسلاسل خيال علمي، والقضايا التي تناقشها هي قضايا فلسفية وتقنية يصعب أحياناً على مهندس نووي مثلي أن يستوعبها إلا بعد تكرار المشاهدة.
كمختص في الكتابة من هذا النوع من الأدب أين تكمن أهميته؟
أهم أهمية له حسب رأيي هو تثقيف النشء الجديد بأحدث وأرقى وأدق علوم العصر، وإيصال العديد من الحقائق العلمية والفلكية والتقنية المصيرية إليهم بأجمل وسائل التعليم وهي الصورة والنص الغريب المثير للفضول، وتحفيزهم على الابتكار والاكتشاف، كما قد يكون عظة قوية لنتفادى كوارث المستقبل الحياتية من مجاعات وفساد للبيئة وانقراض كائناتها التي نعيش عليها إذا استمرينا في الجهل بخطورة الحروب والاستعلاء على الآخر والاستخفاف بالتقنيات الضارة وموارد الأرض النادرة
هل يمكن أن يصنف أدب الخيال العلمي كجزء من البحث العلمي؟
اقتراح رائع أشكرك على التنويه إليه، نعم أظن أن أدب الخيال العلمي يمكن أن يعد مصدر إلهام بديع للبحاث العلميين طالما يقدم لهم أفكار بحثية جديدة في المعضلات والمسائل التي يعرضها، كما يمكنه أن يمهد لهم حتى الوصول إلى نتائج بحوثهم هذه طالما أنه يقدم لهم أحيانا خلاصة للمسائل التي يعرضها ونتائجها المتوقعة سواء كانت المفيدة أو المقلقة المفسدة، يمكن كذلك أن نعتبره مقدمة رائعة مشوقة ومعلم ظريف جميل لإفهام الكثير من الحقائق العلمية الصارمة للباحثين الجدد، والتي لا مجال لعدم فهمها إذا شئنا أن يكون لبحثنا العلمي نتائج مفيدة لحاضرنا ومستقبلنا
محاضرات ومشاركات ثقافية ومحلية، وتصوير فوتوغرافي، يبدو أن الكتابة قد نالت منك كثيراً ... أي سر تحمله الكتابة؟
وجدتها الوسيلة الأقوى والأبقى لإيصال الآراء والمقترحات والحلول وخلودها! حتى الأعمال التلفزية وربما حتى التشكيلية هي في الأصل نتاج مخططات وملخصات مكتوبة، المحاضرة تُنسى حتى بالرغم من نجاحها في وقتها، والصورة قد تضيع وقد يسرقها أحدهم وينسبها إلى نفسه بالوسائل التقنية المعاصرة، لكن كتابة نصها ووصفها هو الذي يخلدهما على مدى التاريخ، مع ملاحظة أن محاولات تزوير الكتاب قد فشلت على مدى التاريخ، إذ سرعان ما يكتشف الناس التزوير و ينسب دائما إلى صاحبه، كما أن الخوارزمي وابن سينا والفرزدق وابن رشد وابن حزم نتذاكرهم اليوم وكأنهم أحياء بيننا بفضل كتاباتهم لا بفضل محاضراتهم وصورهم! وأظنهم سيستمرون في البقاء بيننا بفضل كتاباتهم إلى أن تنتهي الحياة.
هل قلة انتشار هذا النوع من الأدب لعدم تقبله أم ... ؟
نعم كثيرون من المسيطرة عليهم الأسطورة الدينية لا يتقبلونه لاعتباره أدب "تكفيري" يهدف إلى نشر الإلحاد!! ومن لم يتلقوا تعليماً تقنيا متوسط يجدون صعوبة في فهم نصه التقني/الفلسفي، وهؤلاء كثرة في مجتمعنا، ولابد من أن يكون لمشاهد هذا اللون أساس علمي وتقني وفلسفي متوسط حتى يمكنه فهمه، وإلا فسيدخل متاهة الملل والتكفير والعزوف عن هذا اللون من الأدب للأسف.